مقدمة
تفاجأ الجميع بظهور أخبار تتصدر الصحف عن وجود شخص وافد من الجنسية البنغالية يقوم بالاتجار بالبشر عن طريق جلب العمالة لدولة الكويت بالتعاون مع بعض الأشخاص في الكويت من مسؤولين وموظفين بمقابل مادي.
جاءت الأخبار أن هذا النائب قدِم إلى الكويت في التسعينيات وعمل بمهنة عامل نظافة ، وتدرج بالمناصب من مدير حتى أصبح شريكاً في شركة كبيرة تُقدم خدمات النظافة ــ لديها عقود مع شركات كبرى منها حكومية ــ وتدر أرباحاً تقدر بملايين الدنانير مما ساعده في العودة لبلاده مرة أخرى والترشح للانتخابات البرلمانية هناك ، و قد نجح ليصبح عضواً في برلمان بلاده إلا أنه لم يكتفِ بذلك بل عاد إلى الكويت مرةً أخرى ولديه أموالاً طائلة ، وهذا هو الحدث الأهم والأبرز في حادثة هذا الشخص وذلك بأنه جاء ليجلب العمالة من الجنسية البنغالية للعمل بدولة الكويت مقابل مبلغ مادي يتراوح ما بين 2000-3000 دينار كويتي من كل عامل من مواطنيه يتقاضاه منه قبل قدومه للكويت ، ولم يكتفِ بذلك بل زاد على ذلك أنهُ يقوم بجابية مبالغ يومية من كل ضحية جاء بها إلى الكويت، ثم دارت الأخبار وخرجت بعض التسريبات أن هذا “النائب البنغالي الجنسية ” لديه صلات عن طريق وسطاء بأشخاص من ذوي المناصب الحساسة والتي تمكنه من الالتفاف على القوانين المحلية لزيادة دخله وذلك عن طريق حظر دخول أي شخص للكويت إلا عن طريقه مما ساهم وساعد في رفع قيمة المبالغ التي يتقاضاها من مواطنيه مقابل قدومهم للبلاد .
هنا أعادت إحدى الصحف المحلية الذاكرة إلى الوراء قليلاً تحديداً في تاريخ 6 سبتمبر 2016 حينما ذكرت أن مدير إدارة الهجرة والجوازات – آن ذاك – أصدر قراراً بوقف استقدام العمالة من الجنسية البنغالية للعمل بالكويت. وتذكرتُ حينما أردت استقدام عامل منزلي من ذات الجنسية طلب مني الموظف الخاص بالهجرة استثناءً من وكيل وزارة على الأقل ويجب أن أرفق صورة من وثيقة منزل تثبت أني أمتلك منزلاً خاصاً بي، ولا يجوز لي استقدام سوى عامل واحد فقط من هذه الجنسية وهذا جعلني استغرب تلك الشروط الصعبة، ولكن بعد ظهور قضية “النائب” البنغالي وإشارة أصابع الاتهام إلى عدة أشخاص ذوي أهمية كبرى ومناصب قيادية قل استغرابي كثيراً لأني وجدتُ تفسيرات منطقية لتلك الشروط.
إن الفضل يعود لله ثم لصاحب السمو وأخيراً لفيروس كورونا الذي ساهم بالكشف عن فساد “النائب” البنغالي وشركائه وضحاياه الذين يرزحون تحت وطأة العبودية والقنانة نتيجة تلك الجريمة.
العقوبات والأسس القانونية:
لا بد أن نبين في البداية قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص الكويتي والذي وضع عقوبات مشددة ضد كل شخص تم إثبات إدانته بارتكاب تلك الجريمة وذلك في المادة ٢ من ذات القانون تبدأ من الحبس لمدة ١٥ سنة، وتصل إذا اقترنت بظروف مشددة مثل إذا كان المتهم موظفاً بالدولة ساهم بتسهيل ارتكاب تلك الجريمة، وشكل تنظيماً إجرامياً يتكون من أكثر من شخص لارتكاب هذه الجريمة عقوبته تتراوح ما بين الحبس المؤبد إلى الإعدام إذا توفي أحد الضحايا نتيجة ارتكابه هذه الجريمة.
تنص المادة ٢ البند ٦ من ذات القانون على:
“ وتكون العقوبة الحبس المؤبد .. إذا كان المتهم موظفاً عاماً في الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة أو تم الإعداد لها فيها أو ترتبت فيها بعض آثارها وكان لوظيفته شأن في تسهيل ارتكاب الجريمة أو إتمامها. وتكون العقوبة الإعدام إذا ترتب على ارتكاب الجريمة وفاة المجني عليه. وفي جميع الأحوال لا يُعتد بموافقة المجني عليه أو برضائه عن الأفعال المستهدفة بالاستغلال في هذه الجرائم.
لم يكتفِ القانون بذلك بل عاقب في المادة ٦ من ذات القانون مدير الشركة والممثل القانوني لها إذا ارتكبت الجريمة لحسابها إذا ثبت علمهم بها بذات العقوبات المقررة للجريمة، بالإضافة إلى ذلك أوجب القانون حل الشركة وإغلاقها وجميع فروعها إغلاقاً نهائياً أو موقتاً مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن سنة.
وبيّن القانون المقصود بالتنظيم الإجرامي بغرض ارتكاب جريمة الاتجار بالأشخاص بأنه جماعة منظمة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، وتقوم بفعل مدبر لارتكاب أي من جرائم الاتجار بالأشخاص بقصد الحصول بطريق مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أخرى “.
ومما تجدر الإشارة إليه أن جريمة الاتجار بالبشر لها عدة أنواع ليست من بينها تجارة الإقامات؛ وهي امتهان بيع عقود العمل الشكلية قانوناً، وغير القانونية فعلياً بهذا المسمى – لأن الكثير من ممن يبيعون إقامات العمل في الكويت يعولون على عدم التزامهم قانونياً اتجاه العامل، وإجبار العامل على التوقيع على تنازلات وتعهدات يقر فيها باستلامه لجميع مستحقاته، بل أحياناً كثيراً ما يوقعون العمالة على كمبيالات بمبالغ مادية كبيرة لتهديدهم باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم في حال تقدمهم بأي شكوى ضدهم.
إن تجارة الإقامات قد تندرج قانوناً تحت العمل الجبري ” السخرة ” أو الخدمات القسرية أو العبودية؛ وهي كما تعرفها اتفاقية منظمة العمل الدولية المادة 2 الفقرة 1 بأنها ” كل أعمال أو خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة، ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره “. كما يعرفها القانون الأسترالي لعام ١٩٩٥ بانهُ “الوضعية التي يقدم فيها شخص ما عملاً أو خدمات ويكون بسبب استعمال القوة والتهديد باستعمالها. ويكون الشخص غير حر في التوقف تقديم عن العمل أو الخدمات و غيرها في مغادرة المكان أو المنطقة التي يقدم فيها العمل أو الخدمات” ، وقد أشارت منظمة العمل الدولية إلى خمس علامات رئيسية في حال تواجدها في أي علاقة عمل فإنها تشير إلى أن العامل تحت أحد حالات العمل الجبري ” السخرة ” وهو بالتالي ضحيةلجريمة الاتجار بالبشر وهي : مصادرة جواز السفر أو الهوية الشخصية ” البطاقة المدنية ” حتى لا يتمكن العامل من المغادرة، والاستعباد بالديون؛ عن طريق توقيع العمالة على إيصالات أمانة أو كمبيالات بمبالغ لتهديده بها لاحقاً، و وقف الرواتب أو رفض دفعها للعمالة، و تقييد حركة أو احتجاز العمالة داخل مكان العمل أو منطقة محددة، وأخيراً تهديد العمالة باستخدام العنف البدني أو الجنسي ، ويشمل ذلك بما فيها معنوياً ابتزازهم العاطفي أو استخدام العبارات اللاذعة ضدهم أو عن طريق تهديدهم بإلحاق الأذى في ذويهم في بلادهم في حال رفض القيام بالعمل.
ومن هنا لابد لنا أن نبين وسائل ارتكاب الجريمة الاتجار بالأشخاص؛ حيثُ يوجب القانون توافر عدة عناصر وهي:
أولاً: الفعل : مثل تجنيد أو نقل أو انتقال أو إيواء أو استقبال أشخاص.
ثانياً: أن يكون باستخدام وسيلة: وهي التهديد أو استخدام القوة أو السلطة القانونية لإكراه الأشخاص، أو الاختطاف أو الاحتيال والخداع أو استغلال النفوذ أو نقاط ضعف الأشخاص مثل التهديد بالتسفير وعدم دخول البلاد مرة أخرى أو بعمل بلاغ التغيب بقصد حرمانه من العمل بالكويت.
ثالثاً: الغرض من ارتكاب تلك الفعل وباستخدام تلك الوسيلة ضد العمالة: وهو الخدمة القسرية أو العبوية أو القنانة أوالأشغال الشاقة عن طريق العمل الكثير بمقابل مادي قليل، او انتزاع أعضائه.
نصيحة من متخصص في القانون :
ولابد من تبيان أن الدستور الكويتي قد نص في المادة ٣٤ ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ..” ومن هنا فإن التسرع في توجيه أصابع الاتهام من المغردين ضد الأشخاص التي وردت أسمائهم – بشكل مباشر وغير مباشر في قضية المتهم “النائب” البنغالي – بتعاونهم معه قد يؤدي إلى الإضرار بهم وبأسرهم وسمعتهم ، وهو أمر يحط من سمعة هؤلاء الأشخاص ويمس شرفهم، ولا بد هنا من التأني قبل التسرع في إطلاق الاتهامات وجعل السلطات المختصة تأخذ مجراها في التحقيقات، وننتظر حكم القضاء الكويتي في تلك الاتهامات الموجهة ضد هؤلاء المتهمين وهم لا يزالون قانوناً أبرياء بما فيهم النائب البنغالي ، وذلك بعد أن يمارس ـ هؤلاء الأشخاص – حقوقهم الدستورية بالدفاع عن أنفسهم ، وكذلك يجب الامتناع عن الخوض بأسمائهم في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وغيره من الديوانيات والتجمعات حتى لا يلحق الأشخاص المغردين أي مسؤوليات قانونية تصل إلى الحبس ، والتعويض من قبل المتهمين بعد إثبات براءتهم كما حدث في قضايا كثيرة مشابهة على سبيل المثال القضية الأشهر في الكويت وهي قضية تفجير مسجد الصادق والذي اتهم فيها مواطن يُدعى جراح و قد قام الكثير من الناس بالتجريح به واتهامه، وبعد حصوله على حكم البراءة قام برفع الكثير من القضايا ضد كل من تطاول عليه من مغردين وغيرهم ،وحتى من كتب عبارة ” حسبنا الله ونعم الوكيل عليك ” وقد حصل على تعويضات من كل شخص تعدى عليه .
الجريمة عالمياً :
هنا لابد أن نعترف أنه لا تكاد دولة في الكورة الأرضية إلا وتعاني من أورام الفساد وجريمة الاتجار بالبشر واستغلال النفوذ بشكلٍ أو آخر، على سبيل المثال – لا الحصر – نرى في الولايات المتحدة الأمريكية هناك جميع أشكال جريمة الاتجار بالبشر من تهريب المهاجرين من المكسيك إلى أمريكا، وتجارة الجنس في فيغاس وفي الولايات الأمريكية، وسرقة الأعضاء …إلخ . وحسب إحصائيات الخط الساخن الوطني للإبلاغ عن الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة في عام ٢٠١٨ بلغ عدد الناجين من تلك الجريمة ٢٣،٠٧٨ ألف شخص، أما حالات الاتجار بالبشر ١٠،٩٤٩ ألف شخص، وأما المتاجرين المحتملين فقد بلغ عددهم ٥،٨٥٩ ألف شخص.
وتشير الإحصاءات العالمية أن ٤٠.٣ مليون ضحية الاتجار بالبشر حول العالم منهم ٨١٪ هم ضحايا للعمل القسري أو العبودية والسخرة، و ٧٥٪ هم من النساء والأطفال، بينما ٢٥٪ من الضحايا هم الأطفال.
وعندما تعود بي الذاكرة قليلاً إلى الوراء وتحديداً أثناء إعدادي لرسالة الماجستير – الخاصة بي – عن جريمة الاتجار بالبشر والترويج لها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة أنني قرأتُ بإحدى الصحف الالكترونية أن مدیرة البرنامج الخاص بمكافحة العمل القسري في منظمة العمل الدولية ” بیت أندریس” قد أعلنت لدى تقدیمھا تقریراً عن العمل القسري أو العبودية في العالم أن هذا العمل بمختلف أنواعه یُدر دخلاً سنوياً يقدرب ١٥٠ مليار دولار.
اقتراح وتوصية :
وبذلك نرى أن الكشف عن تلك الجرائم بالصدفة توجب تشكيل إدارة خاصة في النيابة العامة مكونة من عدة وكلاء نيابة متخصصين، وملحق بها موظفين من الإدارة العامة للمباحث الجنائية يتم اختيارهم بمعرفة النائب العام، وهي إدارة خاصة بمكافحة جريمة الاتجار بالبشر ، أو التدخل بتعديل تشريعي على القانون 91 لسنة 2013 الخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين وذلك بجعل تلك الجريمة من جرائم أمن الدولة الداخلي، وتخضع لسلطات جهاز الدولة، وهذا يعتبر وجه من أوجه التشدد مما يجعل كل شخص اتهم بارتكاب أحد هذه الجرائم قد مس أمن البلاد، وهي فعلاً تمس أمن البلاد الداخلي ، وذلك لتأثيرها على الأمن لأنها تساعد على انتشار ارتكاب الجرائم وقد لاحظنا أن هناك الكثير من المتهمين المدانين بجرائم قتل وسرقات من حاملي الجنسية البنغالية، مما يؤثر على صورة البلاد دولية وذلك من خلال التقارير التي ترفعها سفارة الولايات المتحدة عن جهود دولة الكويت في مكافحة الاتجار بالبشر، وكذلك نوصي بتشديد الرقابة على منافذ البلاد، والقادمين من الدول الآسيوية والأوروبية الفقيرة خاصةً ، وحصر مكان إقامتهم ومدتها للتأكد من هدف زيارتهم الحقيقي لدولة الكويت .
متابعة القضية اضغط هنا – جريدة القبس